كثيرةٌ هي المرات التي تناقشت فيها مع عدد من الأصدقاء؛ المتخصصين منهم في مجال الأفلام أو غيرهم، عن موضوع كان يُطرح في كثيرٍ من المرات وهو ما الفرق بين الفيلم الحقيقي (أو “الفيلم” فقط دون أن تكون له صفة) والفيلم التجاري ؟
خلال هذه النقاشات لم أجد إجابة شافية وواضحة لهذا التساؤل، وهل بالفعل يمكننا أن نميّز فيلمًا عن آخر بصفة كهذه أم لا، فالبعض يشكك حتى في وجود اختلافٍ كهذا بين الأفلام ويقول أن جميع الأفلام تجارية والهدف منها الربح، فأجدني أميل لهذا التفسير أو الجواب في بعض الأحيان، فلا يوجد صانع أفلام قد صنع فيلمًا ولا يرجو أن يكون من وراءه فائدة “في معظم الحالات يرجو أن تكون مالية”، فالأفلام ماهي إلا صنعةٌ أو مهنة كبقية الصناعات والمهن.
لكنني في نفس الوقت أعتقد أن هذا المصطلح “التجاري” دقيقٌ وصحيح، وأن هناك أفلامٌ هدفها تجاريٌ بحت ولا يريد صنّاعها فائدةً أخرى من ورائها، سواءً كان تغييرًا في اعتقادات مجتمع ما، أو رواية قصةٍ تُحدث في الفرد تغييرًا؛ إيجابيًا كان أم سلبيًا، أو أي فائدة ترجى من صناعة فيلمٍ غير المال.
بعد مدة من التفكير في هذا التساؤل وجدت أن الأمر الذي يفرّقُ بين هذين الاثنين؛ الفيلم التجاري وغير التجاري، هو الدافع.
حينما أتى ذلك الكاتب ليكتب نص فيلم، هل كان دافعه من كتابة هذا الفيلم هو المال، أم سببٌ آخر يدفع كاتبًا لكتابة فيلم غير الدافع الاول، وعندما أتى ذلك المنتج بعدما قرر أن يصنع فيلمًا وأتى ليختار نصًا من بين النصوص المتراكمة عنده، هل النص الذي اختاره كان دافعه لاختيار ذلك النص عن بقية النصوص أنه إن اصبح فيلمًا فإن نسبة نجاحه ماديًا تفوق غيره.
الدافع مجهول، فلا يعلم أحد الدافع الحقيقي للشخص الآخر وراء عمله، ولكنها كثيرًا ما تظهر، فالعمل الذي كان أساسه والهدف منه الربح المادي فقط، في معظم الأحيان لن يكون متقنًا و ستجد فيه علاماتٍ تدل على أنه “تجاري”، فقد تجد القصة مكررة وقد نجحت قبل ذلك في أفلامٍ عدة، فيسلك صُنّاع ذلك العمل نفس الطريق ويكتبون قصةً مشابهة لعلمهم بنجاحها المضمون، أو تجد الحوارات في هذا الفيلم ضعيفة فيمكنك أن تتنبأ وتعلم ما ستقوله إحدى الشخصيات لشخصية أخرى، وغيرها من العلامات الواضحة.
لا يعني هذا بطبيعة الحال أن دافع كسب المال من وراء فيلم أو أي نوع من الإنتاج، ليس بدافعٍ سليم؛ بل هو أحد أهم الأسباب التي تدفع صُنّاع الأفلام لإنتاج فيلمٍ وتصويره، ولولا أن المداخيل التي تأتي من هذه الصناعة كثيرةٌ ومربحة لأصبحت صناعةً عاديةً بسيطة لا يمارسها إلا قلةٌ قليلة؛ فهي ليست بعملٍ خيري، وهدف الربح منها لا يقل أهمية عن غيره، ولكن الفرق هنا هو أن هناك من لديه أهدافٌ ودوافع أخرى فيصنع هذه الأعمال بإتقان فيُمتع من يشاهدها ويوصلُ له ما أراد من أهدافه ويستفيد هو أخيرًا من أرباح عمله المتقن والذي بذل فيه جهدًا عظيمًا ولم يستخف بمن سيشاهد عمله، غير الذي كان همّه الأول الأرباح التي ستأتيه من وراء عمله قبل أن يكون همّه عمله نفسه؛ فعمل الأخير هو “التجاري”، والأول “فيلم”.