لا نختلف أن المسلسلات الخليجية قطعت شوطاً كبيرًا في التكرار وتلقي الانتقادات السلبية، بالرغم من ذلك لا نرى أي تغير كبير في الصنعة، واستمراريتها مؤشر على أنها تحمل نسبة من النجاح، فهناك جمهورها الوفي، وهناك إدراك من صانعي هذه الأعمال بتلك الانتقادات، وأنها لا تملك التأثير الذي يُنهي عجلة الربح فيها، وأنه مهما تحدّث النقاد ستبقى المعايير كما هي ولا حاجة لتغييرها، مما يعني أن هناك عوامل أعمق من تلك الانتقادات التي تتلقاها تلك الأعمال.
الأمر ليس فقط ضعف كتابة في تلك القصص التراجيدية التي تحدث لعائلات مخملية، أو ضعف في التمثيل الذي يُظهر المبالغات الانفعالية و الكوميديا التهريجية، وكذلك ليس ضعفاً في الإخراج في تلك الزوايا التي تضع الممثل أمام الشاشة يعاتب من يعطي ظهره في الخلف، وكذلك ليس ضعفاً في الخيال الذي يحصر كل الأزمات في دوامة الحب والخيانة، وليس فقط تورطاً في العجلة التجارية التي تجعل العمل الفني صنعةً تشبه مناقصات المقاولات التي لا تكترث سوى بالربح بأقل المعايير التي تفي بالغرض.
هذه كلها انتقادات معتبرة ولها وزنها، ولكنها مع الأسف تبقى انتقادات على طبقة السطح، لننظر للطبقة التي تقبع أسفلها لندرك بالفعل ما الذي يحدث.
امتداد المسرح، والمسلسلات المكسيكية
المسلسلات الخليجية هي امتداد لنوعين من الفنون، الفن المسرحي والذي خرج منه الجيل الذي يؤدي لتلك الأعمال، وكذلك من المسلسلات المكسيكية التي كانت تُستهلك من قِبل الجمهور السعودي مثل “ماريمار”، “ماريا ابنة الحي”، “كساندرا”،… وغيرها، لذلك نرى حالة تداخل بين هذين النوعين من الفنون، يفسر ظهور المبالغات الدرامية في التمثيل والتي تليق بالمسرح، كذلك النمط المتكرر من المشاكل العائلية التي لا تحدث إلا في المنزل مما يجعل القيمة الإنتاجية فيها زهيدة.
تأثير الطفرة
وأيضاً بقدر ما ننتقد تلك الأعمال لكنها مرآة تعكس فكر ووجدان المجتمع الذي يستهلكها، فلو نظرنا عن كثب سنرى أن مظاهر الترف والمبالغة في الماديات تعود إلى حقيقة أننا حديثي عهد بطفرة مادية حدثت في السبعينات، مما جعل الإنسان الذي كان يعيش على مقومات حياة بسيطة ينفتح على كل خيارات الترف، فيظهر ذلك في الإغراق بالمباهاة والتكلف المظهري.
ضبابية الحب
أما بخصوص التورط الكتابي في دوامة الحب والخيانة فهذا أيضاً يعود لكون مجتمعنا على العموم يتعامل مع هذه القضية بضبابية نابعة من مثالية ينشأ فيها الفرد معرضاً لأن يدخل في عقد عاطفية، لأن الحب كثيرًا ما يقترن بالرذيلة في فكرنا المجموعي، وحسب الطبيعة البشرية كلما أزدت المنع في أمرٍما تزداد جاذبيته، فأصبح موضوع الحب والخيانة بارزًا كعقدة درامية تلامس الجمهور المحلي من بين بقية العقد، صبَغت المحيط الفني بتناسب عكسي مع ضبابيتنا في التعامل معها.
الصحوة هنا
غالباً ما يوزن نزعة الإغراق في المادية هو الجانب الروحي الذي يُشعرك بأن المادة ليست كل شيء، ومجتمعنا لديه هذا البُعد الروحي في التدين، ولكن ما جعل تأثيره أخفت هو وجود التشدد الذي شاع في فترة زمنية معينة من الماضي القريب، فكان عنصرًا مكملاً لتأثير الإغراق في المادية، وأيضاً في إضافة مزيد من الضبابية في عنصر الحب، من حيث أن الصحوة كانت تعزف على وتر الترهيب أكثر من الترغيب، فجعل بعض المُباحات تبدو محظورة، ناهيك عن إضافة مزيد من التوجس عمّا يقترب من كونه محظورًا.
الجيل التالي
العناصر السابقة هي الجذر لما يظهر في السطح على هيئة فنون، وهي عامل أساسي خلف انتقاداتنا لصور كثيرة من الفنون ومنه فن المسلسلات الخليجية، ومعالجة ما سبق تتطلب أمرين:
الأول: جرأة من المنتجين والممولين في المراهنة على الجيل الجديد والخروج من منطقة الراحة نحو مغامرة تنطلق بنا نحو أفق جديد.
ثانياً: حراك ثقافي من الجيل الجديد يعي بالأسباب التي واجهت الجيل السابق، ليتخففوا من العناصر التي أثرت بهم، وإن غاب أحد هذين الأمرين، حينها سيكون الأمر محبطاً لكل متطلع إلى مستقبل الفن.