Skip to main content

كيف تحكي السينما قصصها من خلال الصورة؟


في عالم السينما والتلفاز، لا يتعلق الأمر بسرد قصة الفيلم ولا بتسجيل الحركات والإيماءات، بل هو متعلق بكيفية التقاط الصور وزواياها وهذا هو جوهر التصوير السينمائي.

يعتقد الكثير أن الصناعة السينمائية هي فقط أداء ونصّ، وبداية ونهاية، متناسين أنها تشمل أكثر من ذلك.

ففيها إضاءة، وتأطير، وتكوين حركة وزوايا، تكبير وتركيز والخ..

تتمثل المهمة الرئيسية للمصور السينمائي في ضمان دعم اختياراتهم للرؤية الشاملة لمخرج الفيلم.

يذكر جوردان يونغ -مصور سينمائي- عبر صفحته في linkedin بعض أساليب التصوير السينمائي الشائعة التي تم استخدامها في الأفلام على مر السنين وهي بإيجاز كالتالي:

  • المذهب الواقعي

عندما ظهر فن السينما قبل سنوات معدودة من نهاية القرن التاسع عشر اعتبر البعض أن حلم  تصوير الواقع وتسجيله وحفظه أصبح متاحًا أخيرًا، وقام الأخوان «لوميير» مخترعا السينما بتصوير فيلمهما القصير «العمال يغادرون مصنع لوميير» الذي يعد في رأي البعض فيلمًا واقعيًا، وفي نفس الفترة تقريبًا كان الفرنسي «جورج ميليه» يصور فيلمه «رحلة إلى القمر» الذي يعتبر أول فيلم فانتازي خيالي…ومنذ ذلك الحين توالت عشرات الأساليب وآلاف الأفلام يمكن تقسيمها تحت هذين التصنيفين: الأفلام التي تحاول أن تصور العالم كما هو، والأفلام التي تصور العالم كما يراه خيال الفنان. ولكن الأمر ليس بهذا الوضوح والبساطة!

لأن كل فيلم على حدة يطرح ويعيد طرح السؤال، بقصد أو دون قصد، عما هو الفرق بين الواقعي وغير الواقعي.

توصف بالواقعية عادة تلك الأفلام التي تضع شخصياتها داخل الإطار الاجتماعي والاقتصادي، والمتاعب الاقتصادية التي تواجهها الشخصيات تكون أحد الدوافع الأساسية لحبكاتها.

أحد التعريفات الأخرى للواقعية هي تلك النوعية التي تتخذ من «الحاضر» موضوعها: الواقعية لا يعنيها الدراما التاريخية ولا الأحداث الماضية، ولكنها تركز عملها على العالم المعاصر!

من أشهر التيارات السينمائية التي ارتبطت بمصطلح الواقعية تيار «الواقعية الجديدة» الذي ظهر في ايطاليا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية على يد مخرجين مثل «روبرتو روسلليني» و«فيتوريو دي سيكا» في أفلام اهتمت بتصوير البشر العاديين خارج الاستديوهات في حياتهم اليومية بدون حبكات درامية أو ديكورات أو اضاءة غير طبيعية. وكما يقول السيناريست الايطالي «سيزار زافاتيني» أحد رواد هذا التيار: «على عكس الموقف الأمريكي…نحن نهتم بالواقع حولنا…أما الواقع في السينما الأمريكية فيتم «فلترته».

  • المذهب التعبيري

المذهب التعبيرى هو أكثر مذهب فنى متأثر بالذاتية المفرطة.

وترتبط التعبيرية بالفن الألماني في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، على الرغم من أن ملامحها تتبدى في بعض الأعمال الفنية التي ترقى إلى العصر الوسيط. من أشهر ممثليها في الرسم فان جوخ.

بدأ في ألمانيا في تاريخ متقدم جداً، حيث تمكن السينمائيون الألمان من ترجمة (المذهب التعبيري) وتصويره ومنحه شكلاً مرئياً مجسداً في فيلم عظيم هو (مقطورة الدكتور كاليغاري-The Cabinet of Dr. Caligari) الذي ظهر في العام 1919، وفيه تم استغلال خصائص المذهب التعبيري بأمانة ودقة شديدة، فإذا كان التعريف النموذجي لهذا المذهب يقول بأنه محاولة البحث عن جذور الشعور الإنساني عبر تشويه مدروس للشكل الخارجي يسمح برؤية أدق الأفكار والمشاعر الأصيلة بشكل مجرد، وهي محاولة لا يمكن تقديمها إلا عبر شخصيات منتقاة تتميز بأنها نمطية وغير عادية وتعيش أحداثاً هي الأخرى غير عادية، فإن الفيلم يمثل ترجمة حرفية لكل ذلك.

 هكذا نكون أمام محاولة المزج الأولى بين السينما وبين قالب من قوالب التعبير الفني هو (المذهب التعبيري) الذي كانت له قبل ذلك صلة وثيقة بالفنون الأقدم كالرواية والمسرح والفن التشكيلي.

  • مذهب هوليوود الكلاسيكي

مذهب هوليوود الكلاسيكي، الذي يُعرف أيضًا بـ”النمط الكلاسيكي للسرد السينمائي”، يشير إلى الأسلوب السينمائي الذي ساد في الأفلام الأمريكية من عشرينيات القرن العشرين حتى أواخر الستينيات. هذا المذهب يتميز بتقنياته السردية الواضحة والمحكمة التي تهدف إلى تقديم قصة متسقة ومتماسكة، مع التركيز على تطور الشخصيات والحبكة.

المميزات الرئيسية لمذهب هوليوود الكلاسيكي تشمل:

  • السرد الخطي
  • التركيز على الشخصيات
  • استخدام التقنيات السينمائية التقليدية
  • الاستمالة العاطفية
  • النهايات المرضية
  • الإنتاج الضخم والأساليب الموحدة

مذهب هوليوود الكلاسيكي يُعد علامة بارزة في تاريخ السينما، حيث وضع الأسس لكثير من الأساليب السردية والتقنية التي لا تزال تُستخدم في الإنتاج السينمائي حتى اليوم،  هذا النمط ساهم في تشكيل توقعات الجماهير وتحديد معايير الأفلام الناجحة والمحبوبة على مر السنين.

  • مذهب الموجة الفرنسية الجديدة

مذهب الموجة الفرنسية الجديدة، أو “La Nouvelle Vague” بالفرنسية، هو حركة سينمائية ثورية ظهرت في أواخر الخمسينيات واستمرت خلال الستينيات في فرنسا، يُعد هذا المذهب انقلابًا على الأساليب التقليدية في صناعة الأفلام، ويميزه التجريب والأسلوب الشخصي الفريد.

ومن المميزات الرئيسية للموجة الفرنسية الجديدة:

  • التركيز على التأليف الشخصي
  • الأسلوب سردي غير تقليدي
  • التصوير الواقعي والطبيعي
  • التجريب في التحرير والتصوير
  • التركيز على الموضوعات الشبابية والتحدي الاجتماعي
  • استخدام الحوارات الطبيعية والأداء التلقائي بدلاً من الحوارات المصطنعة والأداء المسرحي
  • التأثيرات المتعددة الثقافات

الموجة الفرنسية الجديدة لم تكن مجرد حركة سينمائية، بل كانت أيضًا تعبيرًا عن التغير الثقافي والاجتماعي في فرنسا آنذاك، وقد أعطت الحرية للمخرجين لاستكشاف طرق جديدة في التعبير عن القصص السينمائية وإضفاء الطابع الشخصي على أعمالهم. هذه الحركة لا تزال تلهم صانعي الأفلام حول العالم بروحها الإبداعية وتجريبها الفني.

التصوير السينمائي هو جانب مهم في صناعة الأفلام ويؤثر بشكلٍ كبير في كيفية سرد القصة، فمن خلال التجربة لعدة أساليب وتقنيات مختلفة يُمكن للمصورين السينمائيين إنشاء عُمق بصري فريد ذو معنى للفيلم.

سواءً باستخدام التعبيرية أو هوليوود الكلاسيكية أو الموجة الفرنسية الجديدة، حيث يُقدم كل نمط طريقةً فريدة للتعامل مع الجمهور ورواية القصة بشكلٍ مقنع وحقيقي.

يعتقد الكثير أيضًا أن الصناعة السينمائية أداة للترفيه، ولكن هذا غير صحيح!

نعم، أحد جوانبها هو الترفيه لكن السينما أكثر، وأعمق من هذا الجانب، فمن خلال الأفلام نقدم أفكارًا جديدة تمكّن الناس من اكتشاف المشكلات الجديدة لأنها مصدر للمعلومات، وأيضًا مصدرًا لتوثيق التاريخ وترسيخه في عقول الناس.

يظن الكثيرون من الناس أن المنتجين هم مجرد أشخاص يحملون الكاميرات الاحترافية، ويلتقطون سلسلة مشاهد ثم ينتهي عملهم!

هم لا يعلمون أن العمل كمُنتج يشكل تحديًا لذلك يميل الكثير إلى أن يُصبحوا مخرجين وكتّابًا بدلًا من امتهان مهنة الإنتاج.

في النهاية، الفيلم النهائي هو مسعى جماعي يحمل عدة تواقيع لفريق العمل لكن أبرزها وأقواها سيكون من نصيب المخرج.

معظم الأفلام الناجحة فنيًا وتجاريًا يقودها مُنتج ومخرج يفهم كلٍ منهما الآخر، وقد ناضلوا في سبيل إخراج الفيلم، لأن السينما هي مزيجٌ من الفن الإبداعي والابتكار.

الزخم الهائل.. الأفكار المتجددة، الجوع نحو الجماليات، تُغذيه وتُشبعه بقوةٍ ناعمة

صناعة السينما تُشكل عمقًا ثقافيًا يغزو العالم بثقةٍ وأصالة.

بدأت السينما السعودية كما يرويها المؤلف -خالد ربيع السيد- صاحب كتاب “الفانوس السحري: قراءات في السينما”

أن السينما كانت أفلامًا تسجيلية تنتجها شركات النفط في المنطقة الشرقية، ويُروى أن السينما السعودية وضعت أولى خطواتها في عام ١٩٧٧م عندما تم إنتاج أول فيلم سعودي بعنوان: “اغتيال مدينة”

في نهاية المطاف، يتجلى جوهر السينما ليس فقط في سرد القصة، بل في الطريقة التي تُروى بها، كما يُعلمنا السينمائيون الأفذاذ، الصورة تعد أكثر من مجرد خلفية للكلمات؛ إنها لغة بحد ذاتها، تنقل العواطف والأفكار بطرق لا يمكن للكلمات أن تعبر عنها، من خلال التجربة والابتكار في التصوير السينمائي، يمكن للمخرجين والمصورين تقديم تجارب بصرية تترك أثرًا دائمًا في أذهان المشاهدين.

مع كل إطار وزاوية، مع كل لقطة تكبير أو تركيز، يُحاكي صانعو الأفلام قصة تعكس تجاربهم ورؤاهم الفريدة.

السينما، في جوهرها، هي احتفال بالتعبير الفني، تحدٍ للحدود، وسعي لاكتشاف الجمال في أبسط اللحظات، تُظهر لنا السينما أن الفن لا يعرف حدودًا وأن القصص تستطيع أن تعيش وتتنفس من خلال الصورة، مخلدةً ذكريات وأفكارًا لا تُنسى!

إنها، في كل معنى للكلمة، سحر الحياة المُلتقط في إطار.


للإشتراك في القائمة البريدية: